فصل: السور وترتيبها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.ترتيب الآي ليس على حسب النزول:

ومن المجمع عليه أن ترتيب الآيات ليس بحسب نزولها وإنما يرجع إلى المناسبات والروابط البلاغية فقد تنزل الآية بعد الآية بسنين وتكون في ترتيب الكتابة قبلها. وليس أدل على هذا من تقدم بعض الآيات الناسخة على الآيات المنسوخة، مع أن الناسخ متأخر عن المنسوخ في النزول قطعا، وذلك مثل آية: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} فإنها ناسخة لآية: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ} فالأولى متقدمة في الترتيب متأخرة في النزول.
وفي الأثر عن محمد بن سيرين قال: قلت لعكرمة: ألفوه- أي: القرآن- كما أنزل الأول، فالأول قال: لو اجتمعت الإنس، والجن، على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا، وصدق عكرمة فإن ترتيبه على حسب النزول غير مستطاع لأحد من البشر؛ لأن الله لم يرد أن يكون تأليف كتابه المعجز على حسب النزول، وإنما اقتضت حكمته أن يكون على حسب المناسبات البلاغية، وأسرار الإعجاز.

.السور وترتيبها:

.معنى السورة لغة واصطلاحا:

السورة في اصطلاح العلماء طائفة من آيات القرآن جمعت وضم بعضها إلى بعض حتى بلغت في الطول والمقدار الذي أراده الله سبحانه وتعالى لها، وكل سور القرآن بدئت بالبسملة إلا براءة.
وقد اختلف في أصل مأخذها فقيل هي مأخوذة من سور المدينة، لإحاطتها بآياتها إحاطة السور بالبنيان، وقيل: لأنها ضمت آياتها بعضها إلى بعض كما أن السور توضع لبناته بعضها فوق بعض حتى يصل إلى الارتفاع الذي يراد، وقيل: مأخوذة من السورة، وهي الرتبة والمنزلة، قال النابغة الذبياني:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ** ترى كل ملك دونها يتذبذب

وسور القرآن مراتب ومنازل يترقى فيها القارئ من منزلة إلى أخرى.
وقيل مأخوذة من السؤر، وهو ما بقي من الشراب في الإناء، كأنها قطعة من القرآن وبقية منه وهي على هذا مهموزة وحذفت همزتها تخفيفا.

.معرفة السور توقيفي:

ومعرفة سورة القرآن كلها توقيفي كمعرفة آياته، وسور القرآن تختلف طولا وقصرا، فأطول سورة هي البقرة، وأقصر سورة هي الكوثر.
هل يقال سورة كذا؟ والصحيح جواز أن يقال سورة البقرة: وآل عمران والنساء، والأعراف، وهكذا بدون كراهة، ولا يشترط أن يقال السورة التي يذكر فيها البقرة، وهكذا سائر السور، وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة وأما ما رواه الطبراني والبيهقي عن أنس مرفوعا: «لا تقولوا: سورة البقرة ولا سورة ال عمران، ولا سورة النساء، وكذا القرآن كله» فإسناده ضعيف، بل قال ابن الجوزي: إنه موضوع، وقال البيهقي: إنما يعرف موقوفا عن ابن عمر، ثم أخرجه عنه بسند صحيح، وعلى هذا فيكون رأيا له واجتهادا منه.

.الحكمة في تسوير القرآن:

ولتسوير القرآن سورا فوائد منها:
1- حسن الترتيب والتنويع والتبويب فالجنس إذا انطوت تحته أنواع وأصناف كان أحسن وأفخم من أن يكون بابا واحدا، ونوعا واحدا، ولا يزال المؤلفون من قديم الزمان إلى يومنا هذا يجعلون كتبهم أبوابا وفصولا، حتى أضحى حسن الترتيب والتبويب من أعظم المشوقات إلى قراءة الكتاب، بل أصبح تبويب الكتب وتنسيقها فنا مستقلا برأسه.
2- تسهيل الحفظ وبعث الهمة والنشاط، ألا ترى أن القارئ إذا أكمل سورة ثم أخذ في حفظ غيرها كان ذلك أنشط له، وأبعث على التحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله، ومثل ذلك المسافر إذا قطع مرحلة ثم شرع في غيرها ازداد قوة ونشاطا، ولا يزال يتجدد نشاطه، كلما بلغ مرحلة حتى يصل إلى غايته.
3- أن الحافظ إذا حفظ سورة وحذقها اعتقد أنه أخذ من كتاب الله حظا ونصيبا، فيعظم عنده ما حفظه، ويعظم هو في نفوس الناس، يشير إلى هذا المعنى حديث أنس: كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد في أعيننا أي: عظم.
4- أن في التسوير والتفصيل تلاحق الأشكال، والنظائر، وملاءمة بعضها لبعض، ولذلك نجد أغلب سور القرآن يدور الحديث فيها حول موضوع بارز، ولها نمط خاص تستقل به، فسورة يوسف تتحدث عن قصته وسورة إبراهيم تتحدث عنه، وسورة النساء تتحدث عن ما لهن، وما عليهن وسورة ال عمران تتحدث عن قصصهم، وهكذا.
وما ذكره الزمخشري في تفسيره من أن الله أنزل التوراة والإنجيل والزبور وما أوحاه إلى أنبيائه مسورة هو الصحيح، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كنا نتحدث أن الزبور مائة وخمسون سورة كلها مواعظ وثناء ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود، وذكروا أن في الإنجيل سورة تسمى سورة الأمثال.

.الحكمة في كون سور القرآن طوالا وقصارا:

والحكمة في كون سوره طوالا وقصارا:
1- التنبيه على أن الطول ليس شرطا للإعجاز فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات، وهي معجزة إعجاز سورة البقرة، وفي هذا إثبات إعجاز القرآن، على أبلغ وجه.
2- التدرج في تعليم القرآن من السور القصار إلى ما فوقها، وفي ذلك تيسير من الله على عباده لحفظ كتابه إلى غير ذلك من الحكم.
عدد السور: وسور القرآن- في المصاحف العثمانية- مائة وأربع عشرة سورة بإجماع من يعتد به، ونقل عن مجاهد أنه مائة وثلاث عشرة سورة بجعل الأنفال وبراءة سورة واحدة، والأول هو الذي عليه المعول، وعدم ذكر البسملة في أول براءة، لا يمنع أن تكون سورة مستقلة، وقد بينت السر في عدم بدئها بالبسملة آنفا.
وأما عدد السور في مصحف ابن مسعود فهي مائة واثنتا عشرة سورة لأنه كما قيل لم يكن يكتب المعوذتين في مصحفه.
وأما في مصحف أبيّ فمائة وست عشرة، لأنه كتب في آخره دعاء القنوت وجعله في صورة سورتين سماهما سورتي الخلع والحفد، وقال بعضهم: مائة وخمس عشرة سورة بجعل سورة الفيل وسورة لإيلاف قريش سورة واحدة.
والمعول عليه هو ما في المصاحف العثمانية التي أجمع عليها الصحابة، ولا نلتفت إلى غيرها.

.أسامي السور:

وقد يكون للسورة اسم واحد وهو كثير مثل النساء، والأعراف، والأنعام، ومريم، وطه، والشورى، والمدثر، وقد يكون لها أكثر من اسم، فمن ذلك الفاتحة، تسمى فاتحة الكتاب، وأم الكتاب، وأم القرآن والسبع المثاني، والشافية، والكافية، والأساس، وقد أنهى الإمام السيوطي أسماءها إلى خمس وعشرين وبراءة تسمى أيضا التوبة، والفاضحة، والبحوث بفتح الباء، والمنقرة وقد أنهاها السيوطي إلى عشرة أسماء. والإسراء وتسمى أيضا سبحان، وسورة بني إسرائيل، وسورة محمد صلى الله عليه وسلم وتسمى أيضا القتال وسورة سأل وتسمى أيضا المعارج وسورة عمّ وتسمى أيضا النبأ، والتساؤل، والمعصرات، وسورة أرأيت وتسمى أيضا الدين، والماعون، وسورة الإخلاص وتسمى أيضا الأساس، وسورتا الفلق والناس وتسميان أيضا المعوذتين بكسر الواو المشددة، وقد استوعب السيوطي السور ذات الأسماء المتعددة في الإتقان.
وكما سميت السورة الواحدة بعدة أسماء سميت سور عدة باسم واحد، وذلك كالسور المسماة بالم، وحم، والر؛ وذلك على القول بأن فواتح السور أسماء لها، وتكون هذه الأسماء من قبيل المشترك اللفظي والتمييز بين السور بقرينة ضميمة إليها، فيقال: الم البقرة الم ال عمران ويقال: حم غافر وحم فصلت وهكذا.

.التسمية توقيفية أم اجتهادية:

قيل: إنها توقيفية، وعليه فنقف عند حد الوارد منها، وقيل: إنها اجتهادية وعلى هذا فلا يعدم الناظر أن يستنتج للسورة الواحدة أسماء أخرى غير الواردة، والظاهر الأول، قال السيوطي: وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية الإطالة لبينت ذلك، وعلى هذا يكون التوقيف أعم من أن يكون عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة الذين شهدوا الوحي والتنزيل.
وللزركشي في هذا المقام كلام حسن قال في البرهان: ينبغي البحث عن تعداد الأسامي، هل هو توقيفي أو بما يظهر من المناسبات فإن كان الثاني فلم يعدم الفطن أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق أسماء لها، وهو بعيد، قال: وينبغي النظر في اختصاص كل سورة بما سميت به، ولا شك أن العرب تراعي في كثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون في الشيء من خلق أو صفة تخصه، أو تكون معه أحكم، أو أكثر، أو أسبق لإدراك الرائي للمسمى. ويسمون الجملة من الكلام والقصيدة الطويلة بما هو أشهر فيها. وعلى ذلك جرت أسماء سور القرآن، كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم، لقرينة قصة البقرة المذكورة فيها، وعجيب الحكمة فيها. وسميت سورة النساء بهذا الاسم لما تردد فيها شيء كثير من أحكام النساء. وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها. وإن كان ورد لفظ الأنعام في غيرها إلا أن التفصيل الوارد في قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً} إلى قوله: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ} الآية، لم يرد في غيرها، كما ورد ذكر النساء في سور إلا أن ما تكرر وبسط من أحكامهن لم يرد في غير سورة النساء. وكذا سورة المائدة لم يرد ذكر المائدة في غيرها فسميت بما يخصها.
قال: فإن قيل قد ورد في سورة هود ذكر نوح. وصالح. وإبراهيم ولوط وشعيب، وموسى فلم خصت باسم هود وحده مع أن قصة نوح فيها أوعب وأطول قيل: تكررت هذه القصص في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء بأوعب مما وردت في غيرها. ولم يتكرر في واحدة من هذه السور الثلاث اسم هود كتكرره في سورته، فإنه تكرر فيها في أربعة مواضع والتكرار من أقوى الأسباب التي ذكرنا.
قال: فإن قيل فقد تكرر اسم نوح فيها في ستة مواضع قيل. لما أفردت لذكر نوح، وقصته مع قومه سورة برأسها. فلم يقع فيها غير ذلك كانت أولى بأن تسمى باسمه من سورة تضمنت قصته وقصة غيره.
قال السيوطي تعقيبا وبحثا ولك أن تسأل فتقول: قد سميت سور جرت فيها قصص أنبياء بأسمائهم كسورة نوح، وسورة هود وسورة إبراهيم وسورة يونس وسورة ال عمران، وسورة طس سليمان وسورة يوسف. وسورة محمد صلى الله عليه وسلم، وسورة مريم، وسورة لقمان، وسورة المؤمن، وقصة أقوام كذلك كسورة بني إسرائيل وسورة أصحاب الكهف وسورة الحجر، وسورة سبأ، وسورة الملائكة، وسورة الجن، وسورة المنافقين، وسورة المطففين، ومع هذا كله لم يفرد لموسى سورة تسمى به مع كثرة ذكره في القرآن حتى قال بعضهم: كاد القرآن أن يكون كله لموسى وكان أولى سورة أن تسمى به سورة طه أو سورة القصص أو الأعراف؛ لبسط قصته في الثلاثة ما لم يبسط في غيرها: وكذلك قصة آدم ذكرت في عدة سورة ولم تسم به سورة، كأنه اكتفاء بسورة الإنسان، وكذلك قصة الذبيح من بدائع القصص ولم تسم به سورة الصافات، وقصة داود ذكرت في سورة ص ولم تسم به فانظر في حكمة ذلك، على أني رأيت في جمال القراء للسخاوي أن سورة طه تسمى سورة الكليم وسماها الهذلي في كامله سورة موسى وأن سورة ص تسمى سورة داود ورأيت في كلام الجعبري أن سورة الصافات تسمى سورة الذبيح، وذلك يحتاج إلى مستند من الأثر.
وهذا الفصل الذي ذكره الزركشي من النفاسة بمكان، وما عقب به الإمام السيوطي يحتاج إلى بحث ونظر في حكمة ذلك.
والذي يظهر لي والله أعلم أن قصة موسى تكررت في هذه السور أكثر من غيرها وهي متقاربة في الكم كما بينت بالهامش، فلم تكن إحدى السورتين الأخريين أولى من الأخرى، بقيت السور طه وهي وإن كانت أطول إلا أنها لم تعرض لنشأة موسى الأولى، كما عرضت سورة القصص، فلم تكن أولى منها من هذه الحيثية، ولو صح وثبت ما ذكره السخاوي لكان لتسمية طه بسورة الكليم وجه وجيه، ولكن لا مستند له من الأثر كما قال السيوطي.